لبنان منذ القدم ملتقى الحضارات ومهدها وبوابة الشرق العربي، وكلمة لبنان بالآرامية تعني الأبيض بسبب بياض جباله التي تكسوها الثلوج معظم أيام السنة، ولبنان عبر العصور يتميز بموقعٍ جعله مركزًا للحضارة، فكان قبلةً للسياحة من جميع أنحاء العالم على حدٍّ سواء وأرض لبنان عبارة عن سهلٍ ساحلي على البحر المتوسط ضيق في الوسط متسع في الشمال والجنوب تحيط به الجبال من الشرق، ويضم هذا الساحل أبرز المدن اللبنانية منها العاصمة بيروت وطرابلس وجبيل وصيدا وصور، وفي لبنان عدة أنهار أشهرها الليطاني الذي يجري في سهل البقاع باتجاه الجنوب.
ويتميز لبنان بالمناخ المعتدل والجبال الشاهقة التي ترتفع بعضها أكثر من ثلاثة آلاف قدم على سطح البحر، وأشهر قمم هذه الجبال القرنة السوداء وقمم الميزاب التي تغطيها الثلوج طوال أيام السنة حيث تشرف على غابةِ الأرز الشهيرة والتي تعتبر رمز لبنان.
ولبنان منذ القدم تعاقبت عليه الحضارات الفينيقية والسوقية والرومانية والبيزنطية والفارسية والإسلامية، فكان وجهًا ترتسم عليه قسمات هذه الحضارات وتنوع آثارها من خلال قراة تاريخ وملامح الحضارة والصمود لبعض المدن اللبنانية الرئيسية والتي ساهمت بدورٍ كبيرٍ في صناعةِ الحضارة اللبنانية.
بَيْرُوْتْ
ذكرها العلامة الجغرافي المسلم ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان بفتح الباء وسكون الياء وضم الراء وسكون الواو والتاء، وهي مدينة مشهورة حسبما ذكر الحموي على ساحل بحر الشام (البحر المتوسط) وتقع بيروت حاليًا في منتصف الساحل اللبناني على لسان صخري يمتد إلى داخل البحر المتوسط.
وبيروت مدينة لعبت دورًا مهمًّا في تاريخ معظم الحضارات التي مرت عليها؛ نظرًا لموقعها الجغرافي المميز الذي جعلها همزة وصل بين الشرق والغرب، وأول ظهور لاسم المدينة كان عام 1500 ق. م، وأول حدثٍ أظهر أهميتها كان بإعلانها مستعمرة تابعة لروما في عام 14 ق. م وعرفت آنذاك بمدرسة الحقوق، والمدينة القديمة مطمورة حاليًا ويقوم عليها مبنى البرلمان.
ومدينة بيروت فتحها المسلمون في زمن معاوية بن أبي سفيان، ويذكر ياقوت الحموي أن بيروت ظلت تنعم بالحكم الإسلامي حتى نزل عليها بلدوين الإفرنجي خلال الحملات الصليبية على بلاد الشام واغتصبها عنوةً سنة 503هـ في ظل ضعف وانقسامٍ للحكم الإسلامي، فقد حاصر الصليبيون ببيروت لبضعة أشهر، وقد حاول الفاطميون نجدتها ولكن محاولاتهم باءت بالفشل وعندئذٍ اضطر أهل بيروت إلى الاستسلام للصليبيين الذين ارتكبوا مذبحةً رهيبةً ضد المسلمين داخل بيروت، واستمر الصليبيون قابعين على أرض بيروت إلى أن قيَّض الله لها القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي لاستعادتها إلى حوزةِ المسلمين في عام 583هـ، واستمرت في أيدي المسلمين مع تعاقبِ الدول الإسلامية عليها حتى سقطت سنة 1918م بأيدي قوات الحلفاء بقيادة الجنرال اللمبي في الحرب العالمية الأولى ثم أعلنها الفرنسيون في سنة 1920م عاصمةً لدولة لبنان الكبير وما زالت مدينة بيروت هي العاصمة.
ومدينة بيروت ذكرها الرحَّالة الدمشقي في القرن السابع عشر ضمن رحلته المسماة الرحلة الطرابلسية وهو الشيخ العلامة عبد الغني بن إسماعيل النابلسي وذكر لنا من أهم معالم المدينة الحضارية قلعة ببيروت وأنشد قائلاً:
بقلعة بيروت مكانًا ترفعا... علا هو والنجم الذي في السماء معا
وذكر أيضًا بها ضمن مشاهداته زوايا كثيرة وجوامع وحمامات؛ فمن الزوايا ذكر زاوية مشرقة الأنوار وتُعرف بزاوية ابن القصار وكان يجتمع فيها الحُفَّاظ يتدارسون القرآن، ومنها زاوية تُعر
منقول